فصل: فصل في الرحمة وبيان فضلها وطرائقها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فائدة جليلة:

إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده يحمل الله سبحانه حوائجه كلها وحمل عنه كل مَا أهمه، وفرغ قلبه لمحبته ولسانه لذكره وجوارحه لطاعته وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمله الله همومها وغمومها وأنكادها ووكله إِلَى نفسه فشغل محبته بمحبة الخلق ولسانه عن ذكره بذكرهم وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم.
فهو يكدح كدح الوحش فِي خدمة غيره كالكير ينفخ بطنه ويعصر أضلاعه فِي نفع غيره فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بلي بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته قال تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}. اهـ.
دَارك فَمَا عُمْرُكَ بِالْوَانِي ** وَلا تَثِقْ بِالْعُمْرِ الْفَانِي

يَأْتِي لَكَ الْيَوْمُ بِمَا تَشْتَهِي ** فِيهِ وَلا يَأْتِي لَكَ الثَّانِي

وَيَأْمَلُ الْبَانِي بَقَاءَ الَّذِي ** يَبْنِي وَقَدْ يُخْتَلِسُ الْبَانِي

تَصْبَحُ فِي شَأْنِ بِمَا تَقْتَنِي الآ ** مَالُ وَالأَيَّامُ فِي شَانِ

فَانْظُرْ بِعَيْنِ الْحَقِّ مُسْتَبْصِرًا ** إِنْ كُنْتَ ذَا عَقْلٍ وَعُرْفَانِ

هَلْ نَالَ مَنْ جَمَّعَ أَمْوَالَهُ ** يَوْمًا سِوَى قَبْرٍ وَأَكْفَانِ

أَلَيْسَ كِسْرَى بَعْدَ مَا نَالَهُ ** زُحْزِحَ عَنْ قَصْرٍ وَإِيوَانِ

وَعَادَ فِي حُفْرَتِهِ خَالِيًا ** بِتُرْبَةٍ يُبْلَى وَدِيدَانِ

كَمْ تَلْعَبُ الدُّنْيَا بِأَبْنَائِهَا ** تَلاعُبَ الْخَمْر بِنَشْوَان

والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وسلم.

.موعظة:

عباد الله إن الشفقة والرأفة على خلق الله وخصوصًا اليتيم والمسكين والأرملة أثر من آثار الرحمة التي يجعلها الله فِي قلوب بعض عباده، فقل لي أيها الأخ مَا الذي عندك مِنْهَا فإن كنت رحيمًا بعباد الله فلك البشرى والهناء بهذا الخلق الكريم الذي هو سبب لسعادتك فِي يوم الحسرة والندامة، ذلك أن الرحيم يعامله المولى جل وعلا برحمته قال تعالى: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} فالراحمون يرحمهم الله.
وقال صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم الناس لا يرحمه الله». وقال صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم لا يرحم». وإن كنت قاسيًا عوملت بالقسوة: {جَزَاء وِفَاقاً}، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} والله سبحانه وتعالى لا يغفل عن أعمال عباده، وتظهر دلائل رحمتك فِي معاملتك لليتيم والمسكين والأرملة، وفي معاملتك مع أهلك، فإنهم يعيشون طول حياتهم عندك أن كنت رحيمًا أو قاسيًا.
وتظهر رحمتك أيضًا فِي معاملتك إخوانك فإنهم يجدونك إن كنت رحيمًا لين الجانب سهلاً بشوشًا لحوائجهم وتظهر فِي معاملتك لبهائمك فِي عدم تكليفها فوق الطاقة وفي ملاحظتها دائمًا فِي طعامها وشرابها ومكانها فِي الشتاء والصيف.
وتظهر رحمتك فِي معاملتك مع الخلق كلهم فِي حسن الخلق والصدق والحنو عليهم وزيارتهم وعيادتهم وقضاء مَا سهل عليك من حوائجهم، أما من قسا على الخلق وعاملهم معاملة ليس فيها شيء من الحنان والشفقة فهذا هو الجبار القاسي الذي لا يعامله مولاه إلا بما يناسب معاملته من الجبروت.
وكم فِي الدنيا من جبابرة نزعت الرحمة من صدورهم لا يعرفون معاملة الخلق بالرحمة بل بالقسوة والشدة والغلظة، لا فرق عندهم بين الآدمي والكلب العقور وغيره.
ومثل أولئك لو سمعوا كلمة لا تعجبهم ربما أعدموا القائل وأيتموا أولاده وأيموا نساءه، ولو رأوا من فِي أشد المصائب مَا بالوا ولا اهتموا وكأنه شيء عادي، وترى أحدهم يخرج مع الجنائز لتعزية رفيقه فِي مصائبه وهو يضحك ويتفكه.
ولو رأى إنسانًا مصدومًا أو ساقطًا فِي محل يريد إنقاذه تركه ولا همة له إلا فيما يتعلق بنفسه فقط ومثل أولئك تنشب بينهم وبين البهائم كل يوم حروب لأنها عملت عملاً في نظرهم أنه إجرام وربما قتلوا البهائم أو قريبًا من الهلاك.
فأين هؤلاء من الرحمة، بينهم وبينها بون، كما بين الحركة والسكون، ومن هؤلاء من ليس له إلا امرأة واحدة وهو جبار عليها كل مَا بين حين وحين يجلدها جلد الزاني، وبعضهم تجد أخته أو ابنته أو ربيبته كل يوم تشتكي من سوء معاملته لها. وربما حصل مِنْه على أبيه أو أمه أو كلاهما أذية.
وفي الأرض كثير من هذه البليات، فعود نفسك الرحمة أيها المؤمن، فإنك فِي حاجة شديدة إِلَى رحمة الله، وعالج نفسك فِي تهذيبها وتمرينها على الرحمة وإذهاب القسوة، واحرص على مقارنة الرحماء لتكسب مِنْهُمْ هذه الصفة وتسلم من ضدها قال صلى الله عليه وسلم: «لا تنزع الرحمة إلا من شقي».
الرَّاحِمُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمُهمْ ** مَنْ فِي السَّمَاءِ كَذَا عَنْ سَيِّدِ الرُّسُلِ

فَارْحَمْ بِقَلْبِكَ خَلْق اللهِ وَارْعَهُمُ ** بِهِ تَنَالُ الرِّضَا وَالْعَفْوُ عَنْ زَلَل

اللهم وفقنا لسلوك سبيل أهل الطاعة وارزقنا الثبات عليه والاستقامة وعافنا من موجبات الحسرة والندامة وأمنا من فزع يوم القيامة واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله محمد وعَلَى آله وصحبه أجمعين.

.فصل في الرحمة وبيان فضلها وطرائقها:

اعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه من الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة أن الرحمة بالناس بل وبالحيوان عاطفة نبيلة وخلق شريف من أفضل الأعمال وأزكاها وأرفعها وأعلاها وناهيك بها أنها خلق الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين.
ولقد مدح الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه فِي وصف رسوله: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} وضدها القسوة التي عاقب الله بها اليهود لما نقضوا العهود إذ يقول جل وعلا: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}.
فالرحمة فضيلة والقسوة رذيلة، فكان مجيء النبي صلى الله عليه وسلم برسالته من عند الله رحمة لناس يتخبطون فِي بحر الأوهام والجهالات ومساوئ الأخلاق وسيء العادات وقبيح الأعمال يعبدون الأصنام والأشجار والأحجار والأوثان والشمس والقمر، آلهتهم شتى وأربابهم متفرقة.
وَقَدْ فشي وعم الفساد وأظلم الجو وشمل الظلم العباد فالقوي يأكل الضعيف ولا مراقب له ولا مخيف، يئدون البنات ويقتلون الأولاد، جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم فأنقذهم الله به وأخرجهم به من الظلمات إِلَى النور من عبادة الأصنام وتعظيمها إِلَى معرفة الله وتوحيده، والتفكير فِي الإله وتمجيده وتقديسه.
وانتشلتم من أوهامهم وجهالاتهم وضلالاتهم ومساوئهم إِلَى الاهتداء بنور القرآن وتعاليمه عليه الصلاة والسلام فبعد أن كَانَوا قابعين فِي عقر دارهم قانعين فِي جزيرتهم إذا بهم يحملون إِلَى العالم أجمع رسالة النور والأمان والحق والسلام فيفتحون البلاد ويسوسون العباد بفضل مَا وهبهم الله من مَا تمكن فِي نفوسهم وقوي فِي أفئدتهم من حب الرحمة وابتغاء للرأفة بخلق الله ورغبته فِي العدل.
فكان مولده صلى الله عليه وسلم نعمة وبعثته رحمة لا تدانيها رحمة والرحمة صفة من صفات الله الذاتية الفعلية فهو رحمن الدنيا والآخرة وحدث جل وعلا عن رحمته فِي كتابه فقال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} الآية.
والنبي صلى الله عليه وسلم يرغبنا فِي الرحمة واللين والرفق والمسامحة بقوله وفعله فهو يقول: «من لا يرحم لا يرحم». وهو القائل: «لا تنزع الرحمة إلا من شقي». أي ولا تسكن إلا فِي قلب تقي فالرحمة فضيلة والقسوة والغلظة رذيلة وعمل منكر والرحمة لا تختص بالإنسان بل تعم الحيوان وكل ذي روح وإحساس.
فمن آثارها مَا يجده الوالد لولده وآثرها تقبيله ومعانقته وشمه وضمه وحنوه عليه كما صنع الله عليه وسلم بالحسين والحسن رضي الله عنهما ومن أثرها تأديبه وتربيته وإجابة رغائبه مَا دامت فِي سبيل المصلحة وإبعاده من الشر.
وتكون الرحمة بالآباء والأمهات وأثرها اللطف بهما والعطف عليهما والقول الكريم لهما وصنع الجميل فيهما والذب عنهما والحنو عليهما والشفقة عليهما وإظهار البشر لهما قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}.
ومن آثارها جريان الدمع مع العين وذرفها عند المصيبة كما كَانَ صلى الله عليه وسلم حال وفاة ولده جعلت عيناه تذرفان الدمع فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: «يا ابن عوف إنها رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء».
ولذا أجاب الأعرابي الذي قال: أتقبلون صبيانكم فما نقبلهم قال له: «أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك» ومن آثار الرحمة بالقريب والصديق أن تخصه بمزيد من البر والإحسان فتنفس كربه وتخفف ألمه وتفرج همه وتسعى لإزالة الشحناء ورفع البغضاء ويواسي فقره ويرشده عند الحيرة وينبهه عند الغفلة وينصحه إذا استنصحه ويعين العاجز ويعود المريض وينفس له فِي أجله ويشيع جنازته ونحو ذلك من الأعمال الصالحة النافعة والطريقة المجدية.
وتكون الرحمة بالأقرباء وأثرها وصلتهم وزيارتهم ومودتهم والسعي فِي مصالحهم ودفع مَا يضرهم وتكون الرحمة بين الزوجين وأثرها المعاشرة بالمعروف والإخلاص والوفاة المتبادل وأن لا ترهقه بالطلبات ولا يكلفها بالمرهقات بل يعاون على شؤون المنزل وتربية الأولاد بنفسه أو ماله أن كَانَ ذا سعة.
وتكون الرحمة بأهل دينك ترشدهم إِلَى الخير وتعلمهم مَا تقدر عليه مما ينفعهم وتأخذ بهم عن اللمم إِلَى سبيل الأمم وتعمل لعزهم ودفع المذلة عنهم وتكون رحيمًا بالمؤمنين جميعًا فتحب لهم مَا تحب لنفسك وتكره لهم مَا تكره لها.
ومن أثرها بالحيوان مَا جاء فِي حديث مسلم عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذ ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته».
وذلك بأن يرفق بها ولا يصرعها ويزعجها بغتة ولا يجرها من موضع إِلَى موضع بسرعة ترهقها وترهبها بل بلطف ولا يسرع بقطع الرأس ويسرع بقطع الحلقوم والمري والودجين ويتركها إِلَى أن تبرد لتخفيف ألمها بقدر الاستطاعة.
ومن الرحمة مَا يحدثنا به صلى الله عليه وسلم قال: «بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرًا فشرب مِنْهَا ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له». قالوا: يا رسول الله وإن لنا فِي البهائم أجر؟ قال: «فِي كل كبد رطبة أجر». والله أعلم. وصلى الله على محمد.

.فصل في حق الجار:

اعلم وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه أن للجار على جاره حق عظيم فِي الأديان كلها والشرائع والأوضاع كافة، والعرب كَانَوا يعظمون حق الجار ويحترمون الجوار فِي الجاهلية قبل الإسلام، ويعتزون بثناء الجار عليهم ويفخرون بذلك، والضعيف إذا جاور القوي صار قويًّا بإذن الله، له مَا لهم وعليه مَا عليهم، وحين جاء الإسلام أعزه الله وأكد حق الجوار وحث عليه وجعله بعد القرابة وكاد يورثه.
والجار يطلق ويراد به الداخل فِي الجوار ويطلق على المجاور فِي الدار، وعَلَى الساكن مع الإنسان فِي البلد، وعَلَى أربعين دارًا من كل جانب وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الجيران ثلاثة جار له حق واحد وهو المشرك له حق الجوار، وجار له حقان وهو المسلم له حق الجوار والإسلام، وجار له ثلاثة حقوق وهو المسلم القريب، له حق الجوار وحق الإسلام وحق الرحم».
إذا عرفت ذلك فتعلم أن من توفيق الإنسان وسعادته أن يكون فِي بيته يشعر بالعطف واللطف عليه والتقدير له والمحبة له، ومن قلة توفيقه أن يكون بين جيران يضمرون الشر له والعداوة، ويدبرون له المكائد ويذمرون عليه خصومه.
فالشخص الذي بجانبه جيران سوء يعملون للإضرار به فِي نفسه أو ماله أو عرضه، ويحوكون له العظائم والدواهي، منغص عيشه، لا يهنأ له بال، غير مرتاح، تجده قلقًا مِنْهُمْ إن دخل أو خرج، ولا ينعم بمال، تراه مقطب الوجه، محزون النفس مكلوم الفؤاد.
وتجد أهله معهم فِي لجاج، كل ذلك من جار السوء، إما من قبل التسلط على أهله أو على أولاده، وإما بوضع أذية فِي طريقه أو فِي بيته، وأبتعد على ملكه أو بتجسس عليه بدون مبرر وإما بنظر وتطلع عليهم من نافذة أو باب أو سطح أو رمي حصا ونحوه عليهم أو نحو ذلك من أنواع الأذايا.
وربما اضطر إِلَى بيع منزله من أجل جار السوء، كما ذكر بعض من ابتلى بجار سوء اضطره إِلَى بيع ملكه قال فِي ذلك:
يَلُومُونَنِي إِنْ بِعْتُ بِالرُّخْصِ مَنْزِلِي ** وَلَمْ يَعْلَمُوا جَارًا هُنَاكَ يُنَغَّصُ

فَقُلْتُ لَهُمْ كُفُّوا الْمَلامَ فَإِنَّمَا ** بِجِيرَانِهَا تَغْلُوا الدِّيَارُ وَتَرْخُصُ

آخر:
أَرَى دَارَ جَارِي عَنْ تَغَيَّب حُقْبَةً ** عَليَّ حَرَامًا بَعْدَهُ إِنْ دَخَلْتُهَا

قَلِيلٌ سَؤَالِي جَارَتِي عَنْ شُؤونِهَا ** إِذَا غَابَ رَبُّ الْبَيْتِ عَنْهَا هَجَرْتُهَا

أَلَيْسَ قَبِيحًا أَنْ يُخَبَّرَ أَنَّنِي ** إِذَا غَابَ عَنْهَا شَاحِطَ الدَّارِ زرْتُهَا

آخر:
اطْلُبْ لِنَفْسِكَ جِيرَانًا تُسَرُّ بِهِمْ ** لا تَصْلُحُ الدَّارُ حَتَّى يَصْلُحَ الْجَارُ

آخر:
شِرَى جَارَتِي سِتْرًا فُضُول لأَنَّنِي ** جَعَلْتُ جُفُونِي مَا حَيِيتُ لَهَا سِتْرَا

وَمَا جَارَتِي إِلا كَأُمِّي وَإِنَّنِي ** لأَحْفَظُهَا سِرًّا وَاحْفَظُهَا جَهْرَا

بَعَثْتُ إِلَيْهَا انْعَمِي وَتَنَعَّمِي ** فَلَسْتُ مُحِلاً مِنْكِ وَجْهًا وَلا شعرا

ويقول الآخر:
دَارِ جَارَ السُّوءِ بِالصَّبْرِ وَإِنْ ** لَمْ تَجِدْ صَبْرًا فَمَا أَحْلَى النُّقَلْ

آخر:
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَخْلُصْ عِبَادَةَ رَبِّهِ ** فَلا خَيْرَ فِيهِ وَابْتَعِدْ عَنْ جِوَارِه

وبعض الجيران يكون فيه خير وشر فهذا ربما تقابل منافعه مضاره وتتحمل مِنْه ذلك النقص لما فيه من الكمال وأما الآخر فهو شر مضرة بلا منفعة ونقصان بلا فائدة فكيف يعذر وهو بهذه الحالة.
عَذَرْنَا النَّخْلَ فِي إِبْدَاءِ شَوْكٍ ** يَرِدْ بِهِ الأَنَامِلَ عَنْ جَنَاهُ

فَمَا لِلْعَوْسَجِ الْمَذْمومِ يُبْدِي ** لَنَا شَوْكًا بِلا ثَمَرٍ نَرَاهُ

آخر:
مَرِضْتُ وَلِي جِيرَة كُلُّهُمْ ** عَنِ الرُّشْدِ فِي صُحْبَتِي حَائِدُ

فَأَصْبَحْتُ فِي النَّقْصِ مِثْلَ الَّذِي ** وَلا صِلَةَ لِي وَلا عَائِدُ

آخر:
وَلَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ لا عَهْدَ عِنْدَهُمْ ** صَدَفتُ وَرَبِّ الْخَلْقِ صُحْبَة النَّاسِ

وَصِرْتُ جَلِيسُ الْكُتُبِ مَا عِشْتُ فِيهِمُ ** وَأَعْمَلْتُ حُسْنَ الصَّبْرِ عَنْهُمْ مَعَ الْيَأْسِ

آخر:
وَزَهَّدَنِي فِي النَّاسِ مَعْرَفَتِي بِهِمْ ** وَطُولُ اخْتِبَارِي صَاحِبًا بَعْدَ صَاحِبِ

فَلَمْ أَرَى فِي الأَيَّامِ خَلا تَسُرُّنِي ** بِوَادِيهِ إِلا سَاءَنِي فِي الْعَوَاقِبِ

وَلا قُلْتُ أَرْجُوهُ لِدَفْعِ مُلِمَّةٍ ** أَتَتْنِي إِلا كَانَ إِحْدَى الْمَصَائِبِ

آخر:
أَنْتَ فِي مَعْشَرٍ إِذَا غِبْتَ عَنْهُمْ ** جَعَلُوا كُلَّ مَا يَزِينُكَ شِينَا

وَإِذَا أَمَا رَأَوْكَ قَالُوا جَمِعيًا ** أَنْتَ مِنْ أَكْرَمِ النَّاسِ عَلَيْنَا

وعن أبي شريح قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن». قيل من يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه». رواه البخاري ومسلم فبين صلى الله عليه وسلم أن من هذا خلقه، وتلك دخيلته مع جاره غير مؤمن، وأكد ذلك بالحلف والتكرار ثلاث مرات.
وهل المؤمن إلا من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم وهل الإيمان إلا من الأمن؟ فإذا كَانَ الجار لجاره حربًا وعليه ضدا فكيف يكون من المؤمنين الذين أخلصوا دينهم لله لقد كَانَ الواجب عليه أن يتفقد أمور جاره، ويساعده بكل مَا استطاع، ويعمل على جلب الخير له ودفع مَا يضره، حتى يكون فِي عيشة راضية وحياة طيبة، كما يعمل بعض الجيران المحسنين الذين يألفون ويؤلفون.
فقد يأنس الإنسان بجاره القريب أكثر مما يأنس بالنسيب فيحسن التعاون بينهما، وتكون الرحمة والإحسان بينهما، فإذا لَمْ يحسن أحدهما لصاحبه فلا خير فيهما لسائر الناس.
أَعِينُ أَخِي أَوْ صَاحِبِي فِي بَلائِهِ ** أَقُومُ إِذَا عَضَّ الزَّمَانُ وَأَقْعُدُ

وَمَنْ يُفْرِدُ الإِخْوَانَ فِيمَا يَنْوبُهُمْ ** تَنْبِهُ اللَّيَالِي مَرَّةً وَهُوَ مُفْرَدُ

فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بإهداء مَا تيسر والصدقة والدعوة واللطافة به وإعانته والتوسيع عليه فِي معاملته وإقراضه، وعيادته وتعزيته عند المصيبة وتهنئته بما يفرحه، ويستر مَا انكشف له من عورة، ويغض بصره عن محارمه ويمنع أولاده وأهله من أذية أولاد جاره وأهلهم.
وإن بدا لهم حاجة قام بها، ولا يرفع على المذياع أو التلفزيون إن كَانَ يضرهم ويسهرهم وهو ممن ابتلى بهذا المنكر المحرم، ويعمل كل مَا فيه لهم ويقدر عليه ويدفع عنهم مَا يضرهم مَا استطاع فبهذه الأشياء تقع بإذن الله الألفة والمحبة.
وبها تحصل المودة، ويصبح المرء بين جيرانه محبوبًا موقرًا يتفقدونه إذا غاب ويسألون عنه ويعدونه إذا حضر مرغوبًا مرموقًا بالعناية مِنْهُمْ آمنًا مِنْهُمْ مطمئنًا إليهم يتبادلون المنافع.
روي أن إبراهيم بن حذيفة باع داره فلما أراد المشتري أن يشهد عليه قال: لست أشهد عليَّ ولا أسلمها حتى يشتروا مني جوار سعيد بن العاص وتزايدوا فِي الثمن قالوا: وهل رأيت أحدًا يشتري جوار أو يبيعه قال: ألا تشتري جوار من إن أسأت إليه أحسن وإن جهلت عليه حلم وإن أعسرت وهب لا حاجة لي فِي بيعكم ردوا عليَّ داري.
فبلغ ذلك سعيد بن العاص فبعث غليه بمائة ألف درهم وروى المدائني أنه باع جار لفيروز داره بأربعة آلاف درهم فجيء بها فقال البائع: هذا ثمن داري فأين ثمن جاري قال: ولجارك ثمن قال: لا أنقصه والله عن أربعة آلاف درهم.
فبلغ ذلك الفيروز فأرسل إليه بثمانية آلاف درهم وقال: هذا ثمن دارك وجارك وألزم دارك لا تبعها. أين هؤلاء من أكثر جيران زمننا لا تكاد تهدأ أذيتهم وشتائمهم وسبهم وهجرانهم ومشاجرتهم وتقاطعهم وكيد بعضهم لبعض رجالاً ونساءً وأولادًا كَأنَهم فِي معزل عن الآيات والأحاديث الواردة فِي الجوار وحقوقه ولبعضهم ممن بلي بجاره السوء:
أَلا مَنْ يَشْتَرِي جَارًا نَؤُومًا ** بِجَارٍ لا يَنَامُ وَلا يُنِيمُ

وَيَلْبِسُ بِالنَّهَارِ ثِيَابَ نُسْكٍ ** وَشَطْرُ اللَّيْلِ شَيْطَانٌ رَجِيمُ

وقيل ابن المقفع كَانَ بجوار داره دار صغيرة وكان يرغب فِي شرائها ليضيفها إِلَى داره وكان جاره يمتنع من بيعها ثم ركبه دين فاضطر إِلَى بيعها وعرضها على جاره بن المقفع فقال: مَا لي بها حاجة. فقيل له: ألست طلبت مِنْه شرائها. فقال: لو اشتريتها الآن مَا قمت بحرمة الجوار لأنه الآن يريد بيعها من الفقر ثم دفع إِلَى جاره ثمن الدار وقال: ابق بدارك وأوف دينك لله دره.
قال علي بن أبي طالب للعباس: مَا بقي من كرم إخوانك قال: الأفضال على الإخوان وترك أذى الجيران قال الشاعر:
سَقْيًا وَرَعْيًا لِجِيرَانٍ نَزَلْتُ بِهِمْ ** كَأَنَّ دَارَ اغْتِرَابِي عِنْدَهُمْ وَطَنِي

إِذَا تَأَمَّلْتُ مِنْ أَخْلاقِهِمْ خُلُقًا ** عَلِمْتُ أَنَّهُمُوا مِنْ حِلْيَةِ الزَّمَنِ

آخر:
إِذَا خِفْتَ الْمَوَّدَةَ وَاسْتَقَامَتْ ** فَلا تَجْزَعَ وَإِنَّ بَعْدَ اللِّقَاءُ

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبِعَادُ أَغَابَ وَجْهِي ** فَلَمْ تَغِبْ الْمَوَدَّةُ وَالصَّفَاءُ

وَلَمْ يَزَلْ الثَّنَاءُ عَلَيْكَ مِنِّي ** مَعَ السَّاعَاتِ يَتْبَعُهُ الدُّعَاءُ

آخر:
أَحْبَابُنَا مَا غِبْتُمْ مُذْ بِنْتُمُوا ** فَأَبُثُّكُمْ شَوْقِي وَأَسْأَلُ عَنْكُمْ

بِنْتُمْ على حُكْمِ الْمَجَازِ وَلَيْسَ فِي ** حُكْمِ الْحَقِيقَةِ أَنَّكُمْ قَدْ بِنْتُمُوا

أَنْتَمْ إِذَا اطَّرَدَ الْقِيَاسُ أَنَا وَإِنْ ** عُكِسَ الْقِيَاسُ فَإِنَّنِي أَنَا أَنْتُمُوا

آخر:
تَطَاوَلَ لَيْلِي بِالرِّيَاضِ وَلَمْ يَكُنْ ** عَلَى بحَارَاتِ الْقَصِيمِ يَطُولُ

فَهَلْ لِي إِلَى أَرْضِ الْقَصِيمِ بِرَجْعَةٍ ** أُقِيمُ بِهَا قَبْلَ الْمَمَاتِ قَلِيلُ

وَلاسِيَّمَا فِي حَارَةٍ قَدْ سَكَنْتُهَا ** ثَلاثِينَ عَامًا أَوْ تَزِيدُ قَلِيلُ

آخر:
إِذَا أَنَا لا أَشْتَاقُ أَوَّلَ مَنْزِلٍ ** غُذِيتُ بِخَفْضٍ فِي ذُرَاهُ وَلِينِ

مِنَ الْعَقْلِ أَنْ اشْتَاقُ أَوَّل مَنْزِلٍ ** غُذِيتُ بِخَفْضٍ فِي ذُرَاهُ وَلِينِ

آخر:
يَقِيمُ الرِّجَّالُ الْمُوسِرُونَ بِأَرْضِهِمْ ** وَتَرْمِي النَّوَى بِالْمُفْتَرِين الرَّامِيَا

وَمَا تَرَكُوا أَوْطَانَهُمْ عَنْ مَلالَةٍ ** وَلَكنْ حِذَارًا مِنْ شَمَاتِ الأَعادِيَا

يَا مَنْ تَحَوَّلَ عَنَّا وَهُوَ يَأْلَفُنَا ** بَعُدْتَ عَنَّا أَبَعْدَ الآنَ تَلْقَاَنَا

فَاعْلَمْ بِأَنَّكَ مُذْ فَارَقْتَ جِيرَنَنَا ** بُدِلْتَ جَارًا وَمَا بُدِّلْتَ جِيرَانَا

فكتب إليه جاره:
بَعُدْتُ عَنْكُمْ بِدَارِي دُونَ خَالِصَتِي ** وَمَحْضُ وُدِّي وَعَهْدِي كَالَّذِي كَانَا

وَمَا تَبَدَّلَتُ مُذْ فَارَقْتُ قُرْبُكُمْ ** إِلا هُمُومًا أُعَانِيهَا وَأَحْزَانَا

وَهَلْ يُسَرُّ بِسُكْنَى دَارِهِ أَحَدٌ ** وَلَيْسَ أَحْبَابُهُ لِلدَّارِ جِيرَانَا

آخر:
أَقُولُ لِجَارِي إِذْ أَتَانِي أَحَدٌ ** وَلَيْسَ أَحْبَابُهُ لِلدَّارَ جَيرَانَا

إِذَا لَمْ يَصَلْ خَيْرِي وَأَنْتَ مُخَاصِمًا ** يَدُلُّ بِحَقّ أَوْ يَدل بِبَاطِلِ

إِذَا لَمْ يَصَلْ خَيْرِي وَأَنْتَ مُجَاوِرِي ** إِلَيْكَ فَمَا شَرِّي إِلَيْكَ بِوَاصِلِ

آخر:
إِنِّي لأَحْسِدُ جَارَكُمْ لِجِوَارِكُمْ ** طُوبَى لِمَنْ أَمْسَى لِدَارِكَ جَارَا

يَا لَيْتَ جَارَكَ بَاعَنِي مِنْ دَارِهِ ** شِبْرًا فَأُعْطِيهِ بِشِبْرٍ دَارَا

آخر:
يَا حَبَّذَا وَطَنُ كُتَّابِهِ زَمَنًا ** فِيهِ السُّرُورُ على يُسْرٍ وَإِعْسَارِ

وَحَبَّذَا نَاعِم مِنْ تُرْبِه عَبِقٌ ** هَبَّتْ عَلَيْهِ رِيَاحُ غِبَّ أَمْطَارِ

أَحِبُّهُ وَبِلادُ اللهِ وَاسِعَةٌ ** حُبَّ الْبَخِيلِ غِنَاهُ بَعْدَ إِقْتَارِ

وَلَسْتُ أَوَّلَ مُشْتَاقٍ إِلَى وَطَنٍ ** مَعَ الأَقَارِبَ وَالأَصْحَابِ وَالْجَارِ

آخر:
سَقَى اللهُ نَجْدًا وَالْقَصِيمَ أَخُصُّهُ ** سَحَابَ غَوَادٍ خَالِيَاتٍ مِنَ الرَّعْدِ

آخر:
يَا حَبَّذَا أَزَمُنٌ فِي مَنْزِل سَلَفْتَ ** مَا أَقْصَرَ وَقْتَهَا عُمْرًا وَأَحْلاهَا

أَوْقَاتُ أُنْس قَضَيْنَاهَا فَمَا ذُكِرَتْ ** إِلا وَقَطَّعَ قَلْبَ الْمَرْءِ ذِكْرَاهَا

آخر:
وَمِنْ مَذْهَبِي حُبُّ الدِّيَا الَّتِي بِهَا ** وُلِدتُ وَحُبُّ الْمُتَّقِينَ بِأَرْضِهَا

آخر:
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْعَ الْعُهُودَ الَّتِي مَضَتْ ** فَلَسْتَ بِرَاع عَهْدَ أَهْلِ الْمَنَازِلِ

وَلاسِيَّمَا دَارًا وُلِدَتَ بِرَبْعِهَا ** وَكُنْتُ بِهَا جَدْلا فِي خَيْرِ آهِلِ يُرِيدُ الْقَصِيم

آخر:
إِذَا زُرْتَ أَرْضِي بَعْدَ طُولِ تَغَرُّبٍ ** فَقَدْتُ صَدِيقِي وَالْبِلادُ كَمَا هِيَا

فَأَكْرِمْ أَخَاكَ الْمُخْلِصَ الْوِدَّ إِنَّمَا ** كَفَى بِالْمَمَاتِ فُرْقَةً وَتَنَائِيَا

آخر:
بِذَيَّالِكَ الْمَنْزِلْ أَهِيمُ وَلَمْ أَقُلْ ** بِذَيَّالِكَ الْمَنْزِلْ وَذَيَّاكَ مِنْ زُهْدِ

وَلَكِنْ إِذَا مَا حَبَّ شَيْء تَوَلَّعَتْ ** بِهِ أَحْرُفُ التَّصْغِيرِ مِنْ شِدَّةِ الْوَجْدِ

سَقَى اللهُ نَجْدًا وَالْقَصِيمَ أَخُصُّهُ ** سِحَابُ غَوَادٍ خَالِيَاتٍ مِنَ الرَعْدِ

آخر:
بِلادٌ بِهَا كُنَّا وَنَحْنُ نُحِبُّهَا ** إِذَا النَّاسُ نَاسٌ وَالْبِلادُ بِلادُ

آخر من يهوى التنقل تبع المصالح الدنيوية:
نَقْلِ رِكَابَكَ فِي الْفَلا ** وَدَعِ الْغَوَانِي فِي الْقُصُورْ

لَوْلا التَّغَرُّبُ مَا ارْتَقَى ** درَرُ الْبُحُورِ إِلَى النُّحُورْ

فَمُحَا لِفُوا أَوْطَانِهِمْ ** أَمْثَالُ سُكَّانِ الْقُبُورْ

آخر:
كُلُّ الْمَنَازِلِ وَالْبِلادِ عَزِيزَةً ** عِنْدِي وَلا كَمَوَاطِنِي وَبِلادِي

آخر:
مَا مِنْ غَرِيبٍ وَلَنْ أَبْدَى ** تَجَلَّدَهُ إِلا تَذَكَّر عِنْدَ الْغُرْبَةِ الْوَطَنَا

آخر:
إِنَّ الْوَدَاع مِنَ الأَحْبَابُ نَافلة ** لِلظَّاعِنِينَ إِذَا مَا يَمَّمُوا بَلَدَا

وَلَسْتُ أَدْرِي إِذَا شَطَّ الْمَزَارُ بِهِمْ ** هَلْ تَجْمَعُ الدَّارُ أَمْ لا نَلْتَقِي أَبَدَا

دَارُ سَكَنَا بِهَا مُذْ كَانَ نَشَأَتُنَا ** فِيهَا الْقَرِيبُ وَأَصْحَابُ لَنَا سَنَدَا

آخر:
كَمْ مَنْزِلٍ فِي الأَرْضِ يَأْلَفُه الفْتَى ** وَحَنِينُهُ أَبَدًا لأَوَّلِ مَنْزِلِ

آخر:
وَلا تَيْأَسَا أَنْ يَجْمَع اللهَ بَيْنَنَا ** كَأَحْسَنِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ تَصَافِيَا

فَقَدْ يَجْمَعُ اللهَ الشَّتْيتينِ بَعْدَمَا ** يَظُنَّانِ كُلُّ الظَّنِّ أَنْ لا تَلاقِيَا

قال ابن عبد البر: ثلاث إذا كن فِي الرجل لَمْ يشك فِي عقله وفضله إذا حمده جاره وقرابته ورفيقه وإليك طرف فِي الحث على الإحسان إِلَى الجار والبعد عن أذيته.
وَقَدْ جاء فِي الحديث النبوية التحذير من إيذاء الجار، والترغيب فِي الإحسان إليه، فعن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه». متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة». متفق عليه.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك». رواه مسلم.
وفي رواية له عن أبي ذر قال إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني: «إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم مِنْهَا بمعروف».
وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «مَا تقولون فِي الزنا؟» قالوا: حرام، حرمه الله ورسوله، فهو حرام إِلَى يوم القيامة. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره».
قال: «مَا تقولون فِي السرقة؟» قالوا: حرمها الله ورسوله فهي حرام. قال: «لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات، أيسر عليه من أن يسرق من جاره». رواه أحمد واللفظ له، ورواته ثقات والطبراني فِي الكبير والأوسط.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن من أمنه الناس، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر السوء، والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه». رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وإسناد أحمد جيد.
لِلْجَارِ حَقُّ إِذَا أَدَّيْتَ وَاجِبَهُ ** جَازَاكَ رَبُّكَ بِالإِحْسَانِ إِحْسَانَا

فَأَوَّلْ بِالْخَيْرِ خَيْرًا وَاثْنِينَّ بِهِ ** وَإِنْ أَتَى سَبَّهُ جَازَيْتَ غُفْرَانَا

آخر:
وَاغْضُضْ جُفُونَكَ عَنْ عَوْرَاتِ مَنْزِلِهِ ** وَأَوْلِهِ مِنْكَ لُطْفًا حَيْثُمَا كَانَا

جَارِي أَرَى حِفْظَهُ حَقًّا وَنُصْرَتَهُ ** فَلَسْتُ أُسْلِمُ جَارِي عَزَّ أَوْهَانَا

إِنْ كَانَتْ الدَّارُ فِيمَا بَيْنَنَا نَزَحَتْ ** فَأَنْتُمُوا فِي سُوَيْدَا الْقَلْبِ سُكَّانُ

وَاللهِ مَا غَيَّرَتْنِي سَلْوةً عَرَضَتْ ** وَلا انْطَوَى لِي على الْهجْرَان جُثْمَانُ

وَكَيْفَ أَنْسَاكُمْ وَالْقَلْبُ عِنْدَكُمْ ** وَفِي الْحَشَا مِنْكُمْ وَجْدَ وَأَشْجَانُ

لا تَهْجُروا وَافِيًا يَرْعَى ذِمَامَكُمْ ** فَيَبْلُغُ الْغَرضَ الْحُسَّادُ لا كَانَوا

قال بعضهم على لسان من فارقه من يألفه ويحبه:
كََيْفَ السَّبِيلُ وَقَدْ شَطَّتْ بِنَا الدَّارُ ** أَمْ كَيْفَ أَصْبرُ وَالأَحْبَابُ قَدْ سَارُوا

وَمَنْزِلُ الأُنْسُ أَضْحَى بَعْدَ سَاكِنِهِ ** مُسْتَوْحِشًا حِينَ غَابَتْ عَنْهُ أَقْمَارُ

مَا كَانَ أَحْسَنَنَا وَالدَّارُ تَجْمَعُنَا ** وَالْعَيْشُ مُتَّصِلٌّ وَالْوَصْلُ مِدْرَارُ

يَا سَاكِنِينَ بِقَلْبِي أَيْنَمَا رَحَلُوا ** وَرَاحِلِينَ بِقَلْبِي أَيْنَمَا سَارُوا

غِبْتُمْ فَأَظْلَمَتِ الدُّنْيَا لِغَيْبَتِكُمْ ** وَضَاقَ مِنْ بَعْدِكُمْ رَحْبٌ وَأَقْطَارُ

لَيْتَ الْغَرَابُ الَّذِي نَادَى بِفْرِقَتِكُمْ ** عَارٍ مِن الرِّيشِ لا تَحْوِيهِ أَوْكَارُ

بَعْدَ النَّعِيمِ بَعُدْنَا عَنْ مَنَازِلِنَا ** وَبَعْدَ أَحْبَابِنَا شَطَّتْ بِنَا الدَّارُ

وقال آخر:
دَعُونِي على الأَحْبَابَ أَبْكِي وَأَنْدُبُ ** فَفِي الْقَلْبِ مِنْ نَارِ الْفُرَاقِ تَلَهُّبُ

وَلا تَعْتِبُونِي إِنْ جَرَتْ أَدْمُعِي دَمًا ** فَلَيْسَ لِقَلْبٍ فَارَقَ الإِلْفَ مَعْتَبُ

دَعُونِي على الأَحْبَابَ أَبْكِي وَأَنْدُبُ ** فَفِي الْقَلْبِ مِنْ نَارِ الْفُرَاقِ تَلَهُّبُ

وَلا تَعْتِبُونِي إِنْ جَرَتْ أَدْمُعِي دَمًا ** فَلَيْسَ لِقَلْبٍ فَارَقَ الإِلْفَ مَعْتَبُ

لَقَدْ جَرَحَ التَّفْرِيقُ قَلْبِي بِنَبْلِهِ ** فَمِنْ دَمِّهِ دَمْعِي على الْخَدِّ يَسْكُبُ

أَأَحْبَابُنَا مَا بِاخْتِيَارِي فُرَاقُكُمْ ** وَلَكِنْ قَضَاءَ اللهِ مَا مِنْه مَهْرَبُ

وَمَا كَانَ ظَنِّي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَنَا ** وَسُرْعَةَ هَذَا الْبَيْنِ مَا كُنْتُ أَحْسِبُ

أَجُولِ بِطَرْفِي بَعْدَكُمْ فِي دِيَارِكُمْ ** فَارْجَعْ وَالنِّيرَانِ فِي الْقَلْبِ تَلْهَبُ

آخر:
بَكَيْتُ عَلَى الأَحِبَّةِ حِينَ سَارُوا ** وَأَزْعَجَنِي الرَّحِيلُ فَلا قَرَارُ

أُنَادِيهِمْ بِصَوْتِي أَيْنَ حَلُّوا ** وَفِي قَلْبِي مِنَ الأَشْوَاقِ نَارُ

يَقُولُ لِي الْعَذُولُ وَقَدْ رَآنِي ** وَفِي حَالِي لِمَنْ عَشَقَ اعْتِبَارُ

أَتَجْهَرُ مَنْ تُحِبُّ وَأَنْتَ جَارُ ** وَتَطْلُبُهُ وَقَدْ شَطَّ الْمَزَارُ

وَتَبْكِي عِنْدَ فُرْقَتِهِ اشْتِيَاقا ** وَتَسْأَلُ فِي الْمَنَازِلِ أَيْنَ سَارُوا

لِنَفْسِكَ لَمْ وَلا تَلم الْمَطَايَا ** وَمُتْ كَمَدًا فَلَيْسَ لَكَ اعْتِذَارُ